• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » مكانة الإفتاء وحكمه » الإفتاء بغير علم

الإفتاء بغير علم

ب ـ خطر الإفتاء:

تبين فيما سبق ما لمنصب الإفتاء في الدين من مكانة عظيمة، ومنزلة جليلة.وهذه الدرجة العالية للإفتاء ينبغي ألا تدفع الناس للإقبال عليه،والإسراع في ادّعاء القدرة عليه، سواء أكان ذلك بحسن نية وهي: تحصيل الثوابوالفضل، أم بسوء نية، كالرياء والرغبة في التسلط والافتخار بين الناس؛ وذلك لأنَّ الإفتاء- مع جلالة منزلته- عظيم الخطر على من يتولاه؛ لأن المفتي موقِّععن الله تعالى، ومخبرٌ بأحكام شريعته، التي أرسل الله تعالى الرسل وأنزل عليهم الكتب لأجل تبليغها للناس.
وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- التحذير من الجرأة على الإفتاء، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ».
فالإفتاء عظيم الخطر -كما يقول الإمام النووي:- كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- وقائم بفرض الكفاية ولكنه معرض للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي موقِّع عن الله تعالى، وقال ابن المنكدر: «العَالِم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم».
ولخطر الإفتاء وعظيم مكانته روي عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة معروفة فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول». وفي رواية: «ما منهم من يُحدِّث بحديث، إلا ودَّ أن أخاه كفاه إياه. ولا يستفتى عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا». وعن الشعبي والحسن وأبي حَصِين التابعيِّين قالوا : «إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر».
وعن الشافعي وقد سئل عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فقال: «حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب».
    وعن الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: «لا أدري»، وذلك فيما عرف الأقاويل فيه. وعن الهيثم بن جميل: «شهدت مالكًا سُئلَ عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري». وكان يقول: «من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب».

وقال أبو حنيفة: «لولا الفَرَق من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت، يكون لهم المهنأ وعَليَّ الوزر». وأقوالهم في هذا كثيرة معروفة مما يوضح جانبًا من جوانب عظمة الإفتاء، ومكانته في الإسلام، وقدره بين المسلمين.