• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » أركان الفتوى » الفتوى

الفتوى

يتوجب على المفتي في عملية الإفتاء:

أولاً: إدراك المصادر، وفهمها بإتقان على ما تقتضيه أصول اللغة والبلاغة والنحو والصرف، أو ما يسمى- عموما- بعلوم الآلة.

ثانيا: إدراك الواقع وهذه الكلمة فضفاضة واسعة غير منضبطة؛ فأردنا أن نحددها؛ فوجدنا علماء الحضارة كمالك بن نبي وغيره، يحاولون ضبط هذا المفهوم فقالوا: هذا الواقع يمكن أن يقسم إلى عوالم ندركها في نفسها، وبالطبع كل عالَم له طريقة في إدراكه، كما يجب علينا أن ندرك العلاقات البينية بين هذه العوالم، وهي: عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار، ويحيط بها ويربطها: عالم النظم، ليس هذا فحسب، بل جعلوا محور إدراك هذا الترتيب هو الثقافة، فمثلا: الفلاح البسيط اهتمامه منصب على عالم الأشياء: زرعه، حقله، منزله، أنعامه، مرضها، صحتها، إنجابها، وهكذا، وأحيانا يهتم بالأشياء المرتبطة بالأشخاص: فلان سافر، فلان وصل، فلان اشترى منزلا، وهكذا، فإذا وصلنا لرجل المدينة وجدنا اهتمامه يرقى قليلا، فيهتم بالأشخاص، ثم الأحداث، المظاهرات، فلان قبض عليه، فلان فاز بالرئاسة النقابية، فلان خسر، أحيانا يهتم بالأحداث، كغلاء الأسعار، وكارتفاع أسعار العملات أو انخفاضها، الأزمات المالية، الحروب، المجاعات .. إلخ، فإذا وصلنا إلى الأكاديميات الجامعية وقاعات البحث بدأ الاهتمام بالأفكار التي وراء هذه الأحداث وكيف نقرؤها.

وعلى المفتي- أثناء فتواه أو اختياره قولا معينا- أن يدرس هذه العوالم بمناهجها المختلفة، والعلاقات البينية، والمآلات التي تؤول إليها فتواه في الواقع.

فمثلا : في عالم الأشياء : عندما يأتي شخص ويسأل عن حكم الشرع في منتج أو سلعة معينة جديدة- فهذه السلعة من عالم الأشياء، وتحتاج من المفتي إلى إدراك معين حتى يفتي بحكم الله فيها، فلو أراد المفتي أن يبحث في الحكم الشرعي لخل التفاح مثلا، فهو يتساءل: ما مشكلته؟ ما رائحته؟ ما مكوناته؟ ما تأثيره؟ هل به كحول؟ هل يحتوي على شحم خنزير؟ وإذا كان يحتوي على كحول ما نوعه هل هو الإثيلي الذي يسبب الإسكار أو مثيلي وما ... وهذا الإدراك تهتم به مجموعة من العلوم كالكيمياء والفيزياء والتحليل الغذائي، بل والطب؛ لمعرفة مدي تأثير هذه المكونات على صحة الإنسان نفعا وضرا، وعلى المفتي أن يسأل الخبراء والمختصين، بل نقول : إن دقة فتواه تتوقف على مدى فهمه من الخبير لغته واصطلاحاته، بل وحتى طريقة عمله.

وفي عالم الأشخاص: يتحدث الفقهاء الأقدمون عن الشخص الطبيعي وأهليته ... إلخ لكن الواقع الآن أصبح فيه ما يسمى بالشخصية الاعتبارية المختلفة تماما عن الشخصية الطبيعية المحدودة القاصرة التي لها بداية ونهاية محددة، وتطرأ عليها عوارض الأهلية وهكذا، أما الاعتبارية فليس لها نفس ناطقة، وهي ضخمة وذات أوجه مختلفة، بل وقد تكون في بلدين في وقت واحد، كأن يكون للشركة الواحدة أكثر من فرع، بل وربما كل فرع يعامل محاسبيا وضرائبيا بصورة مختلفة، وبل وربما يتم الاقتراض بين أكثر من فرع، وأحيانا تكون شركة قابضة تمتلك عدة شركات تعمل في مجالات مختلفة فشركة في الزراعة، وشركة في التجارة وشركة في الصناعة وهكذا رغم أنها شركة واحدة، وقد أشار الفقه الموروث إلى الوقف كشخص اعتباري وأعطاه أحكاما مختلفة عن الشخص الطبيعي كعدم ووجوب الزكاة فيه مثلا، وكذلك بيت المال، والمسجد والقناطر والرباطات وغيرها، وكلها أشخاص اعتبارية لها أحكام مختلفة عن الشخص الطبيعي، والآن انفصلت الشخصية الاعتبارية تماما عن ممثليها وحددت تحديدا دقيقا؛ لذا يجب علي المفتي أن يدرك هذا الواقع الجديد ولا يتعامل مع الشخص الاعتباري كما يتعامل مع الشخص الطبيعي، ولعل أشهر مثال لهذا اللغط وهذا اللبس ما حدث في فتاوى التعامل مع البنوك المعاصرة : ما بين محرم ومبيح وربما غاب عن كثيرين ما ذكرناه آنفا عن الشخص الاعتباري.

وهكذا في عالم الأحداث وهكذا في عالم الأفكار.