• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » أركان الفتوى » الفتوى

الفتوى

إدراك الواقع وأثره في الفتوى

) أهمية إدراك الوقع.

من المقرر في الفقه الإسلامي أن النصوص متناهية ومحصورة والحوادث والوقائع غير متناهية ولا محصورة؛ لأنها متعلقة بالفعل البشري، وهو لا يتناهى إلى يوم القيامة، وعملية الإفتاء- أو الاختيار الفقهي- بيان للحكم الشرعي في واقعة عملية، وقد لوحظ- بحسب عدِّ بعض العلماء- أن الفقه الإسلامي يتضمن مليونا و175 ألف فرع فقهي.

وهذا الكم الهائل- من هذه الفروع وغيرها- استنبطه الفقهاء من المصادر الشرعية التي منها التشريع. وأصل هذه المصادر: القرآن والسنة، وهما منبع التشريع، وبقية الأدلة كاشفة عما ورد في القرآن والسنة وتابعة لهما، وكل الأئمة العظام الذين نقلت لنا أقوالهم (ما يقرب من 90 مذهبًا وإمامًا) كأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل والحمادَّيْن والسفيانين والأوزاعي، إلخ - تعاملوا مع هذه النصوص بفهم دقيق وعميق، وبملايين ساعات العمل في تقوى الله تعالى، وبدقة في تحري رضا الله تعالى عند بيان الحكم الشرعي، فنشأ من هذا الفهم هذا التراث الفقهي الضخم الذي يقارب المليون و200 ألف فرع تمثل كنزا ثريا، ومعينا عذبا للأخذ منه، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن بعض جمله قد تأثرت بواقعها وزمانها، وهؤلاء الأئمة الأعلام أمرونا ألا نقف عند وقائعهم ومسائلهم، وأن نأخذ المناهج التي بنوا عليها استنباطهم للأحكام الشرعية ونستعملها لواقعنا نحن.

يقول الإمام القرافي في عبارة بليغة واضحة لا مزيد عليها: "فمهما تجدد من العرف اعتبِرْه، ومهما سقط أسقِطْه، ولا تجمُد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك؛ لا تُجرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك والمقررِّ في كتبك، فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".

فهذا الكلام من هذا الإمام الفذِّ ينبهنا إلي أهمية مسألة: (إدراك الواقع) كركن أساسي من أركان الإفتاء، وأن الذهاب إلى كتب الفروع الفقهية المختلفة وأخذ الأحكام الشرعية منها - وهي المتأثرة بواقع وعرف معين- ثم الإفتاء بها في واقع وعرف مختلف؛ هو من الضلال المبين والجهل الفاحش.