• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » أركان الفتوى » المستفتي

المستفتي

الاعتماد على الكتاب في أخذ الفتوى:

لا يُمنع المسلم من مطالعة كتب الفقه وغيرها من الكتب التي تتناول بعض الموضوعات الإسلامية، إلا أنه لا ينبغي أن يعتمد المسلم اعتمادًا كليًّا على هذه الكتب في تعلم أمور الدين، بل الواجب أن يتعلم المسلم-أساسًا- بواسطة العلماء، ثم يلجأ إلى الكتب لغرض التثقيف، وزيادة الوعي بأمور الشريعة، واستثمار وقت الفراغ في أشرف المقاصد عند العقلاء، ومجالسة خير الجلساء، كما قال المتنبي:

*وخيرُ جليس في الزمان كتاب*

ولا يعني ذلك أن يهمل المسلم القراءة في زمان تتسابق فيه الأمم في مضمار العلم والمعرفة، كيف وقد كان أول ما نزل على نبيه المصطفى كلمة:﴿اقْرَأْ﴾[العلق: 1].

لكن على المسلم أن يحرص على اختيار الكتاب الموثوق فيه؛ إذ ليس كل كتاب يطبع وينشر في الأسواق يتضمن المعلومة الصحيحة، وليس كل من يكتب في أمور الدين يتقي الله سبحانه وتعالى فيما يقدمه للناس، فعلى المسلم الحريص على دينه أن يستشير العلماء الثقات في الكتب التي يقرؤها وهو مطمئن على دينه في زمان كثرت فيه الفتن والشبهات، وصار القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.

كما ينبغي الحذر من أن يجعل الكتاب بديلا للمفتي، بحيث إذا ما حدث له أمر يحتاج إلى الفتوى تكاسل عن اللجوء إلى الفقهاء، وتوجه إلى الكتاب يستفتيه؛ لأن القارئ قد يخطئ في الفهم ولا يجد من يصحح له فهمه، فيبني عمله على فهم خاطئ ربما أدى به إلى الهلاك والإهلاك، وكم رأينا من أناس تكاسلوا عن اللجوء للعلماء اعتمادًا على فهمهم الخاص للكتب، فكانت عاقبة أمرهم هي الخسران والشقاء؛ لأنَّ اتباع الهوى لا يأتي بخير، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، وفي هذه الآية الكريمة تنبيه على أهمية الاتصال الدائم بين المسلم الحريص على الفهم السليم لأمور دينه وبين العلماء.

وقال تعالى:﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: 14]، وهذه الآية ترسم للمسلم السبيل الأمثل للوصول إلى المعلومة السليمة التي تهديه سواء السبيل، وتوصله إلى رضا الله تعالى من أقرب طريق.

وقال أبو حيان النحوي محذرًا من الاعتماد على الكتب وحدها في فهم العلم:

يَظُنُّ الغمر أَنَّ الكُتْبَ تهدي

أَخَــا فهْـمٍ لإِدراكِ العُــلومِ

وَما يَدري الجَهولُ بِأَنَّ فيها

غَوامِضَ حَيَّرتْ عَقلَ الفهيم

إِذا رُمتَ العُلومَ بِغَيرِ شَيخٍ

ضَلَلتَ عَن الصراطِ المُستَقيمِ

وَتلتَبِسُ الأُمورُ عَلَيكَ حَتّى

تَصيرَ أَضلَّ من تُوما الحَكيـمِ

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سألت أبي عن الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واختلاف الصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا للإسناد القوي من الضعيف، فيجوز أن يعمل بما شاء ويتخير ما أحب من متنه فيفتي ويعمل به؟ قال: لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على أمر صحيح، يسأل عن ذلك أهل العلم. وقال ابن حمدان: "فلا يجوز لعامي أن يفتي بما يجده في كتب الفقهاء.