• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » اختلاف الفتوى والمفتين

اختلاف الفتوى والمفتين

اختلاف الفتوى والمفتين.

 

عوامل تغير الفتوى:

تختلف الفتوى باختلاف الجهات الأربع: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال؛ لأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير هذه الجهات. والمراد بالأحكام القابلة للتغير هنا: الأحكام النسبية المرتبطة بتلك الجهات الأربع، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية. وإلا لو ظل العرف مثلا كما هو عدة قرون لم يكن أحد مستطيعًا أن يغير الفتوى. أما الأحكام المطلقة، والأحكام الأساسية النصية بالأمر أو النهي، فإنها لا تتغير بتغير الأزمان، ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس، كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق، وإباحة البيع والشراء، وحرمة الزنا وشرب الخمر.

1- المقصود بتغير الزمان: تغير الأعراف والعادات والمصالح والنظم في زمن عنه في زمن آخر، مما يترتب عليه تبديل الأحكام المبنية على الأعراف والعادات. وقد حدث مثل هذا في عصر الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وفي كل العصور الإسلامية.

2- وتغير المكان: تغير الأمكنة باختلاف البيئة مما يؤثر في العادات والعرف والتعامل أو باختلاف الدار. وتغير الأشخاص: لا تنشأ المعاملات بعامة والعقود بخاصة إلا بين أطراف يتمتع كل منهم بالأهلية اللازمة لتلقي الحقوق وتحمل الالتزامات، ولا يتأتَّى ذلك إلا من خلال تمتع كل طرف بالشخصية القانونية.

3- تغير الأشخاص: لا تنشأ المعاملات بعامة والعقود بخاصة إلا بين أطراف يتمتع كل منهم بالأهلية اللازمة لتلقي الحقوق وتحمل الالتزامات ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تمتع كل طرف بالشخصية القانونية.

ولم يكن يعرف الفقه الإسلامي قديما غير الشخص الطبيعي في العقود، والشخص الطبيعي هو الفرد المتمثل في الإنسان، وهو يكتسب الشخصية القانونية بمولده، وهو ما تدور حوله أحكام الفقه التراثي ولذا فإن تغير الشخص الطبيعي يسيرا.

وفي العصر الحديث برزت الشخصية الاعتبارية كأهم سمات ذلك العصر وأثرت تأثيرا بالغا في واقع المعاملات المالية في كل مكان، والشخص الاعتباري هو مجاز قانوني يعترف بموجبه لمجموعة من الأشخاص أو الأموال بالشخصية القانونية والذمة المالية المستقلة عن أشخاص أصحابه أو مؤسسيه.

والفقهاء أشاروا إلى شيء من تغير الأحكام على قدر ما عرفوه من صور الشخص الاعتباري كعدم الزكاة على مال الوقف والمسجد وبيت المال وعدم قطع يد السارق عند الأخذ منها.

4- وتغير الحال لقد علَّمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نراعي الأحوال التي تنشأ والظروف التي تستجد، مما يستدعي تغير الحكم إذا كان اجتهاديًّا، أو تأخير تنفيذه، أو إسقاط أثره عن صاحبه إذا كان الحكم قطعيًّا، فمن ذلك ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى أن تقطع الأيدي في الغزو [أخرجه أبو داود والترمذي]، مع كون القطع هو حَدٌّ من حدودِ الله تعالى. فالاختلاف في هذه الجهات الأربع مع الحرص على تحقيق مقاصد الشريعة، يقتضي تغير الأحكام بناءً على التغير الحادث من ذلك الاختلاف، فيكون الفقيه بذلك قد التزم تحقيق الشريعة ونظر إلى مآلات الأحكام. فالواقع يتكون من عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأحداث وعالم الأفكار وعالم النظم، ويتكون أيضًا من العلاقات البينية المتشابكة بين تلك العوالم، ولا بد من مراعاة كل ذلك في إدراك الواقع والتعامل معه.

 

الاختلاف بين المفتين - أنواعه وأسبابه:

أ ـ أنواع الاختلاف بين العلماء:

ليس كل تعارض بين قولين يعتبر اختلافًا حقيقيًّا بينهما، فإن الاختلاف إما أن يكون اختلافًا في العبارة، أو اختلاف تنوع، أو اختلاف تضاد. وهذا الأخير فقط هو الاختلاف الحقيقي.

أما الاختلاف في العبارة فأن يُعبِّرَ كل من المختلفين عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه.

مثال ذلك: تفسير الصراط المستقيم، قال بعضهم: هو القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام. فهذان القولان متفقان؛ لأن دين الإسلام هو اتِّباع القرآن الكريم. وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعة.

وأما اختلاف التنوع فأن يذكر كل من المختلفين من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع، لا على سبيل الحدِّ المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه.

مثال ذلك تفسير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ }[فاطر: 32] ، قال بعضهم: السابق الذي يصلي أول الوقت، والمقتصد في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. وقيل: السابق المحسن بالصدقة، والمقتصد بالبيع، والظالم بأكل الرِّبا.

واختلاف التنوع في الأحكام الشرعية قد يكون في الوجوب تارة وفي الاستحباب أخرى: فالأول مثل أن يجب على قوم الجهاد، وعلى قوم الصدقة، وعلى قوم تعليم العلم. وهذا يقع في فروض الأعيان كما مثل. وفي فروض الكفايات، ولها تنوع يخصها، وهو أنها تتعين على من لم يقم بها غيره: فقد تتعين في وقت، أو مكان، وعلى شخص أو طائفة كما يقع مثل ذلك في الولايات والجهات والفتيا والقضاء.

ومن جهة أخرى: فإن التنوع واختلاف الأنظار في إدراك الجهات الأربع للفتوى والتي بها تتغير الفتوى يكون مثار اختلاف بين العلماء في الفتوى، فقد تختلف هذه الجهات الأربع اختلافًا دقيقًا يوجب تغير الفتوى، ولا يلحظ هذا الاختلاف إلا الفقهاء، كما قد يختلف الفقهاء أنفسهم في محل الحكم، أو في تصوير الواقعة وتكييفها الشرعي قبل تنزيل الحكم عليها، كما هو موجود وملاحظ في الكثير من المعاملات المالية المعاصرة، فالرِّبا مثلا لا خلاف في حرمته، ولكن يختلف العلماء المعاصرون في تصوير وتكييف العديد من المعاملات المالية الحديثة بما يترتب عليه الخلاف بينهم في تنزيل حكم الرِّبا عليها أو عدم تنزيله عليها لأنها لا تدخل فيه أصلا.

ومن جهة ثالثة: فإن أمور الدين التي يمكن أن يقع فيها الخلاف إما أصول الدين أو فروعه، وكل منهما إما أن يثبت بالأدلة القاطعة أو لا، فهي أربعة أنواع:

النوع الأول: أصول الدين التي تثبت بالأدلة القاطعة، كوجود الله تعالى ووحدانيته، وملائكته وكتبه ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - والبعث بعد الموت ونحو ذلك، فهذه أمور لا مجال فيها للاختلاف.

النوع الثاني: بعض مسائل أصول الدين التي ثبتت بأحاديث الآحاد، فهذه لا يجوز تكفير المخالفين فيها؛ لثبوتها بأدلة ظنية.

النوع الثالث: الفروع المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية الصلوات الخمس، وحرمة الزنا، فهذا ليس موضعًا للخلاف.

النوع الرابع: الفروع الاجتهادية التي قد تخفى أدلتها، فهذه الخلاف فيها واقع في الأمة، ويعذر المخالف فيها؛ لخفاء الأدلة أو تعارضها، أو الاختلاف في ثبوتها، وهذا النوع هو المراد في كلام الفقهاء إذا قالوا: في المسألة خلاف.

 

ب ـ أسباب الاختلاف:

وهذا الاختلاف في الفروع الاجتهادية هو الذي يتناوله العلماء بالبحث والكلام في أسبابه، وهو الاختلاف الناشئ عن الاجتهاد المأذون فيه وله أسباب مختلفة، يتعرض لها الأصوليون، وقد أفردها بالتأليف قديمًا بعض العلماء كابن السيد البطليوسي في كتابه «الإنصاف في أسباب الخلاف» وابن رشد في مقدمة «بداية المجتهد» وابن حزم في «الإحكام» والدهلوي في «الإنصاف» وغيرهم.

ويرجع الاختلاف: إما إلى الدليل نفسه، وإما إلى القواعد الأصولية المتعلقة به، أما أسباب الخلاف الراجع إلى القواعد الأصولية فمن العسر بمكان حصر الأسباب التي من هذا النوع، فكل قاعدة أصولية مختلف فيها ينشأ عنها اختلاف في الفروع المبنية عليها.

أما أسباب الخلاف الراجع إلى الدليل، فهي على سبيل الاختصار:

1. الإجمال في الألفاظ واحتمالها للتأويلات.

2. دوران الخلاف حول إثبات الدليل المستقل بالحكم أو نفي هذا الدليل.

3. دوران الخلاف في أن الدليل الوارد في المسألة هل هو عام أم خاص؟

4. اختلاف القراءات بالنسبة إلى القرآن العظيم، واختلاف الرواية بالنسبة إلى الحديث النبوي.

5. دعوى النسخ وعدمه.

6. عدم اطلاع الفقيه على الحديث الوارد أو نسيانه له.