• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » آداب المفتي والمستفتي

آداب المفتي والمستفتي

آداب المفتي:

    ينبغي أن يتحلَّى الْمُفتي بكثير من الآداب، ولأن تلك الآداب غير محصورة نذكر جملة منها بالنَّقل عن الأئمة والعلماء:
 1. فمن ذلك ما نبه عليه الإمام أحمد من أمور، فقال: «لا ينبغي للرجل أن  يُنصِّبَ نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور. والثانية: أن يكون له علم، وحلم، ووقار، وسكينة. الثالثة: أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته. الرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس. الخامسة: معرفة الناس».
 2. ولا تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالما بما يبلغ صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله.
 3. كما ينبغي عليه أن يحسن زيه، مع التقيد بالأحكام الشرعية في ذلك، فيراعي الطهارة والنظافة، واجتناب الحرير والذهب والثياب التي فيها شيء من شعارات الكفار، ولو لبس من الثياب العالية لكان أدعى لقبول قوله؛ ولأن تأثير المظهر في عامة الناس لا ينكر، وهو في هذا الحكم كالقاضي.
 4. كما ينبغي عليه أن يحسن سيرته، بتحرِّي موافقة الشريعة في أفعاله وأقواله؛ لأنه قدوة للناس في ما يقول ويفعل، فيحصل بفعله قدر عظيم من البيان؛ لأن الأنظار إليه مصروفة، والنفوس على الاقتداء بهديه موقوفة.
 5. كما ينبغي عليه كذلك أن يصلح سريرته ويستحضر عند الإفتاء النية الصالحة من قصد الخلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الشرع، وإحياء العمل بالكتاب والسنة، وإصلاح أحوال الناس بذلك، ويستعين بالله على ذلك، ويسأله التوفيق والتسديد، وعليه مدافعة النيات الخبيثة من قصد العلو في الأرض والإعجاب بما يقول، وخاصة حيث يخطئ غيره ويصيب هو، وقد ورد عن سحنون: فتنة الجواب بالصواب أعظم من فتنة المال.
 6. وعليه أن يكون عاملا بما يفتي به من الخير، منتهيًا عما ينهى عنه من المحرمات والمكروهات، ليتطابق قوله وفعله، فيكون فعله مُصدقًا لقوله مؤيدًا له، فإن كان بضد ذلك كان فعله مُكذبًا لقوله، وصادًّا للمستفتي عن قبوله والامتثال له، لما في الطبائع البشرية من التأثر بالأفعال، ولا يعني ذلك أنه ليس له الإفتاء في تلك الحال، إذ ما من أحدٍ إلا وله زلة، كما هو مقرر عند العلماء أنه لا يلزم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون صاحبه مؤتمرًا منتهيًا، وهذا ما لم تكن مخالفته مسقطة لعدالته، فلا تصح فتياه حينئذ.
 7. كما يراعي أن لا يفتي حال انشغال قلبه بشدة غضب أو فرح أو جوع أو عطش أو إرهاق أو تغير خلق، أو كان في حال نُعاسٍ، أو مرض شديد، أو حَرٍّ مُزعجٍ، أو بردٍ مؤلمٍ، أو مدافعة الأخبثين ونحو ذلك من الحاجات التي تمنع صحة الفكر واستقامة الحكم؛ لأن الفتوى تبليغ حكم شرعي، فهو كالحكم بين الناس، فيستمع لنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول: «لا يقضين حَكمٌ بين اثنين وهو غضبان»[أخرجه البخاري]، فإن حصل له شيء من ذلك وجب عليه أن يتوقف عن الإفتاء حتى يزول ما به ويرجع إلى حال الاعتدال.
 8. فإن أفتى في حال انشغال القلب بشيء من ذلك في بعض الأحوال وهو يرى أنه لم يخرج عن الصواب صحت فتياه وإن كان مخاطرًا لكن قيده المالكية بكون ذلك لم يخرجه عن أصل الفكر. فإن أخرجه الدهش عن أصل الفكر لم تصح فتياه قطعًا وإن وافقت الصواب.
 9. وإن كان عنده من يثق بعلمه ودينه فينبغي له أن يشاوره، ولا يستقل بالجواب تساميًا بنفسه عن المشاورة، وعلى هذا كان الخلفاء الراشدون، وخاصة عمر رضي الله عنه، فالمنقول من مشاورته لسائر الصحابة أكثر من أن يحصر، ويرجى بالمشاورة أن يظهر له ما قد يخفى عليه، وهذا ما لم تكن المشاورة من قبيل إفشاء السر فإن المفتي كالطبيب يطلع من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيره، وقد يضر بهم إفشاؤها أو يعرضهم للأذى فعليه كتمان أسرار المستفتين، ولئلا يحول إفشاؤه لها بين المستفتي وبين البوح بصوره الواقعة إذا عرف أن سره ليس في مأمن.
10. كما ينبغي للمفتي مراعاة أحوال المستفتي، ولذلك وجوه، منها:
    أ - إذا كان المستفتي بطيء الفهم، فعلى المفتي الترفق به والصبر على تفهم سؤاله وتفهيم جوابه.
    ب - إذا كان بحاجة إلى تفهيمه أمورًا شرعية لم يتطرق إليها في سؤاله، فينبغي للمفتي بيانها له زيادة على جواب سؤاله، نصحًا وإرشادًا، وقد أخذ العلماء ذلك من حديث أن بعض الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»[أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم]، وللمفتي أن يعدل عن جواب السؤال إلى ما هو أنفع، ومن ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[البقرة:215]. فقد سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن المنفق فأجابهم بذكر المصرف إذ هو أهم مما سألوا عنه.
    ج - أن يسأله المستفتي عما هو بحاجة إليه فيفتيه بالمنع، فينبغي أن يدله على ما هو عوض منه، كالطبيب الحاذق إذا منع المريض من أغذية تضره ودله على أغذية تنفعه.
    د - أن يسأل عمَّا لم يقع، وتكون المسألة اجتهادية، فيترك الجواب إشعارًا للمستفتي بأنه ينبغي له السؤال عما يعنيه مما له فيه نفع ووراءه عمل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما كانوا يسألون إلا عمَّا ينفعهم، وقال ابن عباس لعكرمة: «اخرج يا عكرمة فأفت الناس، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عن نفسك الناس».
11. وكذلك يترك الجواب وجوبًا إذا كان عقل السائل لا يحتمل الإجابة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟»[أخرجه البخاري]، وقال ابن مسعود: «ما أنت بمحدثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»[أخرجه مسلم].
12. ومن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المفتي، والتي قد تصل إلى الشروط في أيامنا هذه، التيسير على الناس، وإدخالهم في دين الله، وإلقاء الستر عليهم، والعمل على جعل الناس متبعين لقول معتبر في الشرع، فذلك خير لهم من تركهم للدين بالكلية، وإيقاعهم في الفسق، مما يعد صدًّا عن سبيل الله من حيث لا يشعر العالم.
13. وعلى المفتي أن يكون حريصًا على الأخذ بما عليه الأئمة الأربعة لا يخرج عنهم جميعًا إلا في أضيق الحدود، كأن أتت نوازل مستحدثة نتيجة تغير العصر، أو احتاج الناس لتحقيق مصالحهم إلى غير مذاهب أولئك الأئمة الأعلام، فينتقل من فقههم إلى الدليل الشرعي مباشرة، أو إلى الفقه الإسلامي الرحيب بأئمته الذين تجاوزوا الثمانين مجتهدًا، ثم إلى فقه الصحابة الكرام الذين تصدروا للفقه، ونقل عنهم في أمثال مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والمغني لابن قدامة والمجموع للنووي ونحوها، كل ذلك مع الحرص على الاستئناس بما عليه المجامع الفقهية، كمجمع البحوث الإسلامية، ومجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ونحوهما، وكذلك ما عليه الجماعة العلمية بالجامعات الشرعية في بلاد المسلمين، ويكون التخير في كل ذلك مبنيًّا على أن القول له دليل معتبر وأنه يحقق مصالح الناس ويرفع الحرج ويمكِّن لنشر صحيح الإسلام والدعوة إليه ويحبب الخلق في الخالق ولا يكون حجابًا بينهم وبين ربهم.