• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » أركان الفتوى » الفتوى

الفتوى

  1. ما هي الفتوى.
  2. كيفية الفتوى.
  3. مراحل الفتوى.
  4. إدراك الواقع وأثره في الفتوى.
  5. كتب الفقه وكتب الفتاوى.

ما هي الفتوى؟

تعريف الفتوى:

الفتوى: هي تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه فيما نزل به من وقائع وأمور، أو فيما أشكل عليه من أحكام الشرع.

ما ينبغي في الفتوى:

وينبغي أن يتبع المفتي منهجًا في الإفتاء بحسب ترتيب الأدلة الشرعية، فإذا سُئلَ عن مسألة بحث عن حكمها في القرآن، فإن لم يجد ففي السنة، فإن لم يجد فيعمل القياس، حتى يستنبط الحكم الذي يطمئن إليه قلبه ويشترط في هذا الحكم ألا يخالف الإجماع.

وأما الأدلة المختلف فيها كالاستحسان وشرع من قبلنا، فإن أدَّاه اجتهاده إلى صحة شيء منها أفتى به، وإذا تعارضت عنده الأدلة فعليه أن يفتي بالراجح منها. وليس له أن يفتي في السعة بمذهب أحد المجتهدين، ما لم يؤده اجتهاده إلى أنه هو الحق، وليس له أن يفتي بما هو المرجوح في نظره.

وينبغي في الفتوى أن يتوافر فيها ما يلي:

  1. أن تكون ألفاظها محررة.
  2. أن لا تكون الفتوى بألفاظ مجملة (متعددة الاحتمالات).
  3. أن لا تشتمل الفتوى على جزم بأنها حكم الله، إلا بنصٍّ قاطع أما الأمور الاجتهادية فيتجنب فيها ذلك، وقد استدل العلماء على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟»[أخرجه مسلم].
  4. أن تكون الفتوى بكلام موجز، واضح، مستوف لما يحتاج إليه المستفتي.

كيفية الفتوى

يأتي الحديث عن الكيفية التي يتعين على هذا المفتي اتباعها في الفتوى حتى تكون فتواه على الصواب.

استقبال السؤال:

الفتوى جواب عن سؤال فبدهي أن يتقدم السؤال من المستفتي ويستقبله المفتي، ويطلب من المفتي الإنصات والتركيز؛ لأنهما من شروط التصور والفهم الصحيح للسؤال.

فهم السؤال:

الترجمة إن كان السائل يتكلم بلغة أخرى، فإن جهل المفتي لسان السائل أجزأته ترجمة واحد ثقة؛ لأنها خبر.

التحرز عما يخل بالفهم:

من واجب المفتي أن يحذر العوارض التي تخل بالفهم، كالإبهام في الكلام، وغيره من العوارض العشرة التي تكلم عنها الأصوليون، وذلك حتى يتمكن من فهم السؤال فهما سليمًا، لذا فعلى المفتي أن يسأل المستفتي عن كل ما أشكل عليه مما ذكره المستفتي، وعن الحقائق التي لم يذكرها المستفتي.

ومما يخل بالفهم: (عجمة أحدهما- ترك الإنصات- ترك الاستفصال- الجهل بالعرف- اجتزاء المستفتي ناسيًا أو عامدًا).

يتبع

الاستيضاح من المستفتي:

لما كان من واجب المفتي أن يحذر العوارض التي تخل بالفهم، لذا كان من المستحسن أن يستفهم من المستفتي عن كل ما يتعين عليه معرفته.

ومن فوائد الاستيضاح: حث المستفتي على عرض الواقعة على التمام بكل تفاصيلها إذ لا بد من معرفة المفتي لكل العناصر الجوهرية، وقد يكون المستفتي حسن النية، فيهمل بعض التفاصيل ظنًّا منه أنها غير جوهرية ولا يحتاج المفتي إلى معرفتها، وقد يكون سيء النية، مريدًا للتلاعب فيخفي بعض التفاصيل المهمة، وفي كل الأحوال يفيد الاستفصال في استجلاء الحقيقة كاملة، بتذكير المستفتي إن كان ناسيًا، وتنبيهه إن كان غافلا، وتضييق الخناق عليه إن كان متلاعبًا.

آداب الاستيضاح:

إذا كان المستفتي بعيد الفهم، فينبغي للمفتي أن يكون رفيقًا به صبورًا عليه، حسن التأني في التفهم منه والتفهيم له حسن الإقبال عليه، لا سيما إذا كان ضعيف الحال، محتسبًا أجر ذلك فإنه جزيل.

قال: أخبرت عن أبي الفتوح عبد الوهاب بن شاه النيسابوري، قال: أخبرنا الأستاذ أبو القاسم القشيري، قال: سمعت أبا سعيد الشحام، يقول: "رأيت الشيخ الإمام أبا الطيب سهلا الصعلوكي في المنام فقلت: أيها الشيخ. فقال: دع الشيخ. فقلت: وتلك الأحوال التي شاهدتها؟ فقال: لم تغن عنا. فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بمسائل كان يسأل عنها العُجُز- العجائز-".

وبعد قيام المفتي بالاستفصال يكون قد أدى ما عليه، وتبرأ ذمته إن كان المستفتي قد نجح في إخفاء بعض العناصر الجوهرية.

يتبع

تقييد السؤال:

قال أبو القاسم الصيمري: وليس من الأدب للمفتي أن يكون السؤال بخطه، فأما بإملائه وتهذيبه فواسع.
وبلغنا عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي -رحمه الله-: أنه كان قد يكتب للمستفتي السؤال على ورق من عنده, ثم يكتب الجواب، والله أعلم.

فإن كان في المسألة تفصيل لم يطلق الجواب. وله أن يستفصل السائل إن حضر ويقيد السؤال في رقعة الاستفتاء ثم يجيب عنه وهو أولى وأسلم.

آداب التعامل مع رقعة الاستفتاء:

على المفتي أن يتأمل رقعة الاستفتاء تأملا شافيًا، كلمة بعد كلمة، ولتكن عنايته بتأمل آخرها أكثر، فإنه في آخرها يكون السؤال، وقد يتقيد الجميع بكلمة في آخر الرقعة، ويغفل عنها القارئ لها، وهذا من أهم ما ينبغي أن يراعيه.

فإذا مر فيها بمشتبه سأل عنه المستفتي، ونقطه وشكله مصلحة لنفسه ونيابة عمن يفتي بعده، وكذا إن رأى لحنًا فاحشًا، أو خطأ يحيل معنى أصلحه. قطع بذلك أبو القاسم الصيمري من أئمة الشافعية في كتابه "في أدب المفتي والمستفتي". ووجهه: أن قرينة الحال تقتضي ذلك؛ فإن صاحب الورقة إنما قدمها إليه ليكتب فيها ما يرى وهذا منه.

وكذلك إذا رأى بياضًا في أثناء بعض السطور، أو في آخرها، خطَّ عليه وشغله على نحو ما يفعله الشاهد في كتب الوثائق ونحوها؛ لأنه ربما قصد المفتي أحد بسوء فكتب في ذلك البياض بعد فتواه ما يفسدها.

يتبع

إذا لم يفهم المفتي السؤال:

وإذا اشتملت الرقعة على مسائل فهم بعضها دون بعض، أو فهمها كلها ولم يرد الجواب عن بعضها، أو احتاج في بعضها إلى مطالعة رأيه أو كتبه- سكت عن ذلك البعض وأجاب عن البعض الآخر.

قال ابن الصلاح: وعن الصيمري: أنه يقول في جوابه: فأما باقي المسائل فلنا فيه نظر، أو يقول: مطالعة، أو يقول: زيادة تأمل.

وإذا فهم من السؤال صورة وهو يحتمل غيرها، فلينص عليها في أول جوابه، فيقول: إن كان قد قال: كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا، أو ما أشبه هذا، فالحكم كذا وكذا، وإلا فكذا.

تحليل المعطَيات:

بعد فهم السؤال يقوم المفتي بتحليل المعطيات التي حصل عليها من السائل لاستبعاد المعطيات التي لا علاقة لها بالتصوير والتكييف، وحصر المعطيات الجوهرية التي يتوقف عليها التصوير والتكييف.

يتبع

الحاجة إلى الخبراء في مرحلة التصوير:

يثور تساؤل حول دور الخبير غير المتخصص -في العلوم الفقهية- في عملية الفتوى في المسائل التي يحتاج المفتي فيها إلى استطلاع رأي الخبراء، كما في بعض المسائل الطبية، والاقتصادية، والسياسية...إلخ.

والذي يظهر أن المسلك الصحيح: هو أن الرجوع إلى الخبراء لاستطلاع آرائهم لا غنى للمفتي عنه، إلا أن هذا لا يعني نقل الاختصاص، بل يبقى اختصاص الفتوى وبيان الحكم الشرعي مكفولا للمفتي، بعد أن يحيط علمًا بالمقدار الذي يتوقف عليه التصوير (التصور) الصحيح للمسألة -أو الواقعة- محل البحث.

نعم، قد يكون الخبير -الذي يستعين به المفتي- على قدر من الثقافة الشرعية بحيث يمكنه أن يعرض فكرةً، أو يبدي رأيًا في الجانب الشرعي، وهذا مما لا بأس به، وقد يفيد المفتيَ زيادة في البصيرة، إلا أنَّ الرأي الشرعي النهائي الذي يعتمد في الفتوى هو ما يراه المفتي، لا ما يراه الخبير.

ولهذا المبدأ تطبيقات كثيرة في تاريخ الفقه الإسلامي، ومن أقرب النماذج التي يتجلى فيها هذا التعاون المثمر بين أهل الذكر وأهل الخبرة: الفتوى التي صدرت عن دار الإفتاء المصرية حول غش اللبن برقم 1757 لسنة 2006م.

يتبع

مشورة الفقهاء:

يستحب أن يقرأ المفتي ما في الورقة على الفقهاء الحاضرين الصالحين لذلك ويشاورهم في الجواب ويباحثهم فيه، وإن كانوا دونه وتلامذته اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح إلا أن يكون فيها ما لا يحسن إبداؤه أو ما لعل السائل يؤثر ستره أو ما في إشاعته مفسدة لبعض الناس فينفرد هو بقراءتها وجوابها.

الجواب عن السؤال:

بعد الفراغ من المراحل السابقة يأتي وقت الجواب عن السؤال.

الذكر والدعاء قبل الجواب:

روي عن مكحول، ومالك -رضي الله عنهما-: أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

ويستحب للمفتي ذلك مع غيره، فليقل إذا أراد الإفتاء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الآية. {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي}. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سبحانك اللهم، وحنانيك اللهم، اللهم لا تَنسني ولا تُنسني، الحمد لله أفضل الحمد، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسائر النبيين، والصالحين، "وسلم"، اللهم وفقني واهدني وسددني، واجمع لي بين الصواب والثواب، وأعذني من الخطأ والحرمان آمين.

فإن لم يأت بذلك عند كل فتوى، فليأت به عند أول فتيا يفتيها في يومه لما يفتيه في سائر يومه مضيفًا إليه قراءة الفاتحة وآية الكرسي، وما تيسر، فإن من ثابر على ذلك كان حقيقًا بأن يكون موفقًا في فتاويه، وإن تركه جاز.

يتبع

بيان الجواب:

يجب على المفتي- حيث يجب عليه الجواب- أن يبينه بيانًا مُزيحًا للإشكال.

كتابة الجواب:

للمفتي أن يجيب شفاهًا باللسان، وله أن يجيب بالكتابة مع ما في الفتوى من الرقاع من الخطر.

آداب كتابة الجواب:

ينبغي على المفتي أن يكتب الجواب بخط واضح وسط ليس بالدقيق الخافي ولا بالغليظ الجافي، وكذلك يتوسط في سطوره بين توسيعها وتضييقها وتكون عبارته واضحة صحيحة بحيث يفهمها العامة، ولا تزدريها الخاصة، واستحب بعضهم أن لا تتفاوت أقلامه، ولا يختلف خطه؛ خوفًا من التزوير عليه وكيلا يشتبه خطه. وإذا كتب الجواب أعاد نظره فيه خوفًا من أن يكون قد أخل بشيء منه، والله أعلم.

افتتاح الجواب وخاتمته:

عن أبي القاسم الصيمري: "إن كثيرًا من الفقهاء يبدأ في فتواه بأن يقول: الجواب وبالله التوفيق". وحذف ذلك آخرون. قال: ولو عمل فيما طال من المسائل وحذف فيما سوى ذلك لكان وجهًا، ولكن لا يدع أن يختم جوابه بأن يقول: وبالله التوفيق، أو والله الموفق، أو والله أعلم.

بيان الجواب:

إذا لزم المفتي الجواب لزمه بيانه إما شفاهًا أو كتابة، ويكره أن يكون السؤال بخطه لا بإملائه وتهذيبه، وفيهم من كان يكتب السؤال على ورقة من عنده ثم يكتب الجواب.

يتبع

الجواب عن السؤال المركب:

فإن كان في المسألة تفصيل لم يطلق الجواب، وله أن يستفصل السائل إن حضر ويقيد السؤال في رقعة الاستفتاء ثم يجيب عنه وهو أولى وأسلم.

وله أن يقتصر على جواب أحد الأقسام إذا علم أنه الواقع للسائل، ولكن يقول هذا إذا كان كذا وكذا، وله أن يفصل الأقسام في جوابه ويذكر حكم كل قسم، وهذا قد كرهه أبو الحسن القابسي من أئمة المالكية، وقال: هذا ذريعة إلى تعليم الناس الفجور.

اختصار الجواب:

قال القاضي أبي الحسن الماوردي صاحب كتاب "الحاوي": إن المفتي عليه أن يختصر جوابه فيكتفي فيه بأن يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، ولا يعدل إلى الإطالة والاحتجاج ليفرق بين الفتوى والتصنيف، قال: ولو ساغ التجاوز إلى قليل لساغ إلى كثير، ولصار المفتي مدرسًا، ولكل مقام مقال.

وذكر شيخه أبو القاسم الصيمري، عن شيخه القاضي أبي حامد "المروروذي": "أنه كان يختصر في فتواه غاية ما يمكنه، واستفتي في مسألة، قيل في آخرها: أيجوز ذلك أم لا؟ فكانت فتواه: لا، وبالله التوفيق".

تجنب الاختصار المخل:

قال ابن الصلاح: "الاقتصار على لا أو نعم لا يليق بغير العامة، وإنما يحسن بالمفتي الاختصار الذي لا يخل بالبيان المشترط عليه دون ما يخل به، فلا يدع المفتي إطالة لا يحصل البيان بدونها، فإذا كانت فتياه فيما يوجب القود أو الرجم مثلا فليذكر الشروط التي يتوقف عليها القود والرجم".

يتبع

هل للمفتي أن يفتي بعلمه:

المفتي مقيَّد بما ورد في السؤال، وليس للمفتي أن يبني ما يكتبه من جوابه على ما يعلمه من صورة الواقعة المسؤول عنها، إذا لم يكن في الرقعة تعرض له، وكذا إذا زاد السائل شفاهًا ما ليس في الورقة ولا له به تعلق.

وإذا كان المكتوب في الرقعة على خلاف الصورة الواقعة، وعلم المفتي بذلك فليفت على ما وجده في الرقعة وليقل: (هذا إن كان الأمر على ما ذكر، وإن كان كيت وكيت -ويذكر ما علمه من الصورة- فالحكم كذا وكذا) وإن زاد المفتي على جواب المذكور في السؤال ما له به تعلق ويحتاج إلى التنبيه عليه فذلك حسن.

العدول عن الكتابة إلى المشافهة:

إذا ظهر للمفتي أن الجواب على خلاف غرض المستفتي، وأنه لا يرضى بأن يكتب في ورقته فليقتصر على مشافهته بالجواب، ولا يكتب فيها إلا بإذنه.

إتلاف الفتوى الخاطئة:

إذا رأى المفتي في ورقة الاستفتاء فتيا غيره وهي خطأ قطعًا إما خطأ مطلقًا لمخالفتها لدليل قاطع، وإما خطأ على مذهب من يفتي ذلك الغير على مذهبه قطعًا - لم يجز له الامتناع من الإفتاء تاركًا للتنبيه على خطئها إذ لم يكفه ذلك غيره، بل عليه الضرب عليها عند تيسره أو الإبدال وتقطيع الرقعة بإذن صاحبها أو نحو ذلك.

وإذا تعذر ذلك وما يقوم مقامه كتب صواب جوابه عند ذلك الخطأ، ثم إن كان المخطئ أهلا للفتوى فحسن أن تعاد إليه بإذن صاحبها.

يتبع

احترام الخلاف السائغ:

ما سبق هو تصرف المفتي في حالة الخلاف غير السائغ، والكلام الآن عن تصرف المفتي إزاء الخلاف السائغ؛ فإن وجد المفتي في الرقعة فتوى من هو أهل للفتوى على خلاف ما يراه هو غير أنه لا يقطع بخطئها؛ فليقتصر على أن يكتب جواب نفسه ولا يتعرض لفتيا غيره بتخطئة ولا اعتراض عليه.

هل يذكر الدليل في الفتوى؟

يجوز أن يذكر المفتي في فتواه الحجة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا؛ مثل أن يسأل عن عدة الآيسة، فحسن أن يكتب في فتواه: قال الله –تبارك وتعالى-: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}.

أو يسأل: هل يطهر جلد الميتة "بالدباغ"؟ فيكتب: نعم يطهر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)).

وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له ذكر شيء منها، وروى ابن الصلاح عن الصيمري أنه قال: "لم تجر العادة أن يذكر المفتي في فتواه طريق الاجتهاد، ولا وجه القياس والاستدلال، اللهم إلا أن تكون الفتوى تتعلق بنظر قاض فيومئ فيها إلى طريق الاجتهاد، ويلوح بالنكتة التي عليها بنى الجواب، أو يكون غيره قد أفتى فيها بفتوى غلط فيها عنده، فيلوح بالنكتة التي أوجبت خلافه ليقيم عذره في مخالفته".

قال ابن الصلاح: وكذلك لو كان فيما يفتي به غموض فحسن أن يلوح بحجته، وهذا التفصيل أولى مما سبق قريبًا ذكره عن القاضي الماوردي من إطلاقه القول: بالمنع من تعرضه للاحتجاج, وقد يحتاج المفتي في بعض الوقائع إلى أن يشدد ويبالغ فيقول: هذا إجماع المسلمين, أو: لا أعلم في هذا خلافًا, أو: فمن خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عن الصواب, أو: فقد أثم وفسق, أو: على ولي الأمر أن يأخذ بهذا ولا يهمل الأمر, وما أشبه هذه الألفاظ على حسب ما تقضيه المصلحة وتوجبه الحال، والله أعلم.

التجرد عن الهوى:

على المفتي أن يحذر أن يميل في فتياه مع المستفتي أو مع خصمه ووجوه الميل كثيرة لا تخفى ومنها أن يكتب في جوابه ما هو له أو يسكت عما هو عليه ونحو ذلك.

مراحل الفتوى:

تمر الفتوى في ذهن المفتي بأربع مراحل أساسية، تخرج بعدها في صورتها التي يسمعها أو يراها المستفتي، وهذه المراحل الأربع هي: مرحلة التصوير - مرحلة التكييف - مرحلة بيان الحكم - مرحلة الإفتاء.

المرحلة الأولى: مرحلة التصوير:

فيها يتم تصوير المسألة التي أثيرت من قبل السائل، والتصوير الصحيح المطابق للواقع شرط أساسي لصدور الفتوى صحيحة متماشية مع الواقع المعيش، وعبء التصوير أساسًا يقع على السائل، لكن المفتي ينبغي عليه أن يتحرى بواسطة السؤال عن الجهات الأربع التي تختلف الأحكام باختلافها، وكثيرًا ما يتم الخلط والاختلاط من قبل السائل بشأنها، وهي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، كما ينبغي على المفتي أيضًا أن يتأكد من تعلق السؤال بالأفراد وبالأمة؛ لأن الفتوى تختلف بهذين الأمرين.

والتصوير قد يكون لواقعة فعلية وقد يكون الأمر مُقدرًا لم يقع بعد، وحينئذٍ فلا بد من مراعاة المآلات والعلاقات البينية، وبقدر ما عند المفتي من قدرة على التصوير بقدر ما تكون الفتوى أقرب لتحقيق المقاصد الشرعية وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة.

وقد نصَّ الغزالي في كتاب حقيقة القولين -كما أورده السيوطي في كتاب (الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)- على أن وضع الصور للمسائل ليس بأمر هين في نفسه، بل الذكي ربما يقدر على الفتوى في كل مسألة إذا ذكرت له صورتها، ولو كُلِّف وضع الصور وتصوير كل ما يمكن من التفريعات والحوادث في كل واقعة عجز عنه، ولم يخطر بقلبه تلك الصور أصلا، وإنما ذلك شأن المجتهد.

المرحلة الثانية: مرحلة التكييف:

التكييف هو إلحاق الصورة المسؤول عنها بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله، فنكيف المسألة مثلا على أنها من باب المعاملات لا العبادات، أو أنها من قسم مُسمَّى منها أو من العقود الجديدة غير المسماة، وهذه مرحلة تهيئ لبيان حكم المسألة الشرعي، والتكييف من عمل المفتي، ويحتاج إلى نظر دقيق.

وقد يختلف العلماء في التكييف، وهذا الاختلاف أحد أسباب اختلاف الفتوى، والترجيح بين المختلفين حينئذٍ يرجع إلى قوة دليل أي منهم، ويرجع إلى عمق فهم الواقع، ويرجع إلى تحقيق المقاصد والمصالح ورفع الحرج، وهي الأهداف العليا للشريعة.

المرحلة الثالثة: مرحلة بيان الحكم:

الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ويؤخذ هذا من الكتاب والسنة والإجماع، ويتم إظهاره أيضًا بواسطة القياس والاستدلال.

ويجب على المفتي أن يكون مُدركًا للكتاب والسنة ومواطن الإجماع وكيفية القياس ودلالات الألفاظ العربية وترتيب الأدلة وطرق الاستنباط وإدراك الواقع إدراكًا صحيحًا، ويتأتَّى هذا بتحصيله لعلوم الوسائل والمقاصد، كالأصول والفقه واللغة والحديث ونحوها، وبتدريبه على الإفتاء الذي ينشئ لديه ملكة راسخة في النفس يكون قادرًا بها على ذلك، وكذلك تحليه بالتقوى والورع والعمل على ما ينفع الناس.

المرحلة الرابعة: الإفتاء:

أو مرحلة تنزيل الحكم الذي توصل إليه على الواقع الذي أدركه، وحينئذٍ فلا بد عليه من التأكد أن هذا الذي سيفتي به لا يُكِرُّ على المقاصد الشرعية بالبطلان، ولا يخالف نصًّا مقطوعًا به ولا إجماعًا مُتفقًا عليه ولا قاعدة فقهية مستقرة، فإذا وجد شيئًا من هذا فعليه بمراجعة فتواه حتى تتوفر فيها تلك الشروط.

إدراك الواقع وأثره في الفتوى

) أهمية إدراك الوقع.

من المقرر في الفقه الإسلامي أن النصوص متناهية ومحصورة والحوادث والوقائع غير متناهية ولا محصورة؛ لأنها متعلقة بالفعل البشري، وهو لا يتناهى إلى يوم القيامة، وعملية الإفتاء- أو الاختيار الفقهي- بيان للحكم الشرعي في واقعة عملية، وقد لوحظ- بحسب عدِّ بعض العلماء- أن الفقه الإسلامي يتضمن مليونا و175 ألف فرع فقهي.

وهذا الكم الهائل- من هذه الفروع وغيرها- استنبطه الفقهاء من المصادر الشرعية التي منها التشريع. وأصل هذه المصادر: القرآن والسنة، وهما منبع التشريع، وبقية الأدلة كاشفة عما ورد في القرآن والسنة وتابعة لهما، وكل الأئمة العظام الذين نقلت لنا أقوالهم (ما يقرب من 90 مذهبًا وإمامًا) كأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل والحمادَّيْن والسفيانين والأوزاعي، إلخ - تعاملوا مع هذه النصوص بفهم دقيق وعميق، وبملايين ساعات العمل في تقوى الله تعالى، وبدقة في تحري رضا الله تعالى عند بيان الحكم الشرعي، فنشأ من هذا الفهم هذا التراث الفقهي الضخم الذي يقارب المليون و200 ألف فرع تمثل كنزا ثريا، ومعينا عذبا للأخذ منه، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن بعض جمله قد تأثرت بواقعها وزمانها، وهؤلاء الأئمة الأعلام أمرونا ألا نقف عند وقائعهم ومسائلهم، وأن نأخذ المناهج التي بنوا عليها استنباطهم للأحكام الشرعية ونستعملها لواقعنا نحن.

يقول الإمام القرافي في عبارة بليغة واضحة لا مزيد عليها: "فمهما تجدد من العرف اعتبِرْه، ومهما سقط أسقِطْه، ولا تجمُد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك؛ لا تُجرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك والمقررِّ في كتبك، فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".

فهذا الكلام من هذا الإمام الفذِّ ينبهنا إلي أهمية مسألة: (إدراك الواقع) كركن أساسي من أركان الإفتاء، وأن الذهاب إلى كتب الفروع الفقهية المختلفة وأخذ الأحكام الشرعية منها - وهي المتأثرة بواقع وعرف معين- ثم الإفتاء بها في واقع وعرف مختلف؛ هو من الضلال المبين والجهل الفاحش.

يتوجب على المفتي في عملية الإفتاء:

أولاً: إدراك المصادر، وفهمها بإتقان على ما تقتضيه أصول اللغة والبلاغة والنحو والصرف، أو ما يسمى- عموما- بعلوم الآلة.

ثانيا: إدراك الواقع وهذه الكلمة فضفاضة واسعة غير منضبطة؛ فأردنا أن نحددها؛ فوجدنا علماء الحضارة كمالك بن نبي وغيره، يحاولون ضبط هذا المفهوم فقالوا: هذا الواقع يمكن أن يقسم إلى عوالم ندركها في نفسها، وبالطبع كل عالَم له طريقة في إدراكه، كما يجب علينا أن ندرك العلاقات البينية بين هذه العوالم، وهي: عالم الأشياء، وعالم الأشخاص، وعالم الأحداث، وعالم الأفكار، ويحيط بها ويربطها: عالم النظم، ليس هذا فحسب، بل جعلوا محور إدراك هذا الترتيب هو الثقافة، فمثلا: الفلاح البسيط اهتمامه منصب على عالم الأشياء: زرعه، حقله، منزله، أنعامه، مرضها، صحتها، إنجابها، وهكذا، وأحيانا يهتم بالأشياء المرتبطة بالأشخاص: فلان سافر، فلان وصل، فلان اشترى منزلا، وهكذا، فإذا وصلنا لرجل المدينة وجدنا اهتمامه يرقى قليلا، فيهتم بالأشخاص، ثم الأحداث، المظاهرات، فلان قبض عليه، فلان فاز بالرئاسة النقابية، فلان خسر، أحيانا يهتم بالأحداث، كغلاء الأسعار، وكارتفاع أسعار العملات أو انخفاضها، الأزمات المالية، الحروب، المجاعات .. إلخ، فإذا وصلنا إلى الأكاديميات الجامعية وقاعات البحث بدأ الاهتمام بالأفكار التي وراء هذه الأحداث وكيف نقرؤها.

وعلى المفتي- أثناء فتواه أو اختياره قولا معينا- أن يدرس هذه العوالم بمناهجها المختلفة، والعلاقات البينية، والمآلات التي تؤول إليها فتواه في الواقع.

فمثلا : في عالم الأشياء : عندما يأتي شخص ويسأل عن حكم الشرع في منتج أو سلعة معينة جديدة- فهذه السلعة من عالم الأشياء، وتحتاج من المفتي إلى إدراك معين حتى يفتي بحكم الله فيها، فلو أراد المفتي أن يبحث في الحكم الشرعي لخل التفاح مثلا، فهو يتساءل: ما مشكلته؟ ما رائحته؟ ما مكوناته؟ ما تأثيره؟ هل به كحول؟ هل يحتوي على شحم خنزير؟ وإذا كان يحتوي على كحول ما نوعه هل هو الإثيلي الذي يسبب الإسكار أو مثيلي وما ... وهذا الإدراك تهتم به مجموعة من العلوم كالكيمياء والفيزياء والتحليل الغذائي، بل والطب؛ لمعرفة مدي تأثير هذه المكونات على صحة الإنسان نفعا وضرا، وعلى المفتي أن يسأل الخبراء والمختصين، بل نقول : إن دقة فتواه تتوقف على مدى فهمه من الخبير لغته واصطلاحاته، بل وحتى طريقة عمله.

وفي عالم الأشخاص: يتحدث الفقهاء الأقدمون عن الشخص الطبيعي وأهليته ... إلخ لكن الواقع الآن أصبح فيه ما يسمى بالشخصية الاعتبارية المختلفة تماما عن الشخصية الطبيعية المحدودة القاصرة التي لها بداية ونهاية محددة، وتطرأ عليها عوارض الأهلية وهكذا، أما الاعتبارية فليس لها نفس ناطقة، وهي ضخمة وذات أوجه مختلفة، بل وقد تكون في بلدين في وقت واحد، كأن يكون للشركة الواحدة أكثر من فرع، بل وربما كل فرع يعامل محاسبيا وضرائبيا بصورة مختلفة، وبل وربما يتم الاقتراض بين أكثر من فرع، وأحيانا تكون شركة قابضة تمتلك عدة شركات تعمل في مجالات مختلفة فشركة في الزراعة، وشركة في التجارة وشركة في الصناعة وهكذا رغم أنها شركة واحدة، وقد أشار الفقه الموروث إلى الوقف كشخص اعتباري وأعطاه أحكاما مختلفة عن الشخص الطبيعي كعدم ووجوب الزكاة فيه مثلا، وكذلك بيت المال، والمسجد والقناطر والرباطات وغيرها، وكلها أشخاص اعتبارية لها أحكام مختلفة عن الشخص الطبيعي، والآن انفصلت الشخصية الاعتبارية تماما عن ممثليها وحددت تحديدا دقيقا؛ لذا يجب علي المفتي أن يدرك هذا الواقع الجديد ولا يتعامل مع الشخص الاعتباري كما يتعامل مع الشخص الطبيعي، ولعل أشهر مثال لهذا اللغط وهذا اللبس ما حدث في فتاوى التعامل مع البنوك المعاصرة : ما بين محرم ومبيح وربما غاب عن كثيرين ما ذكرناه آنفا عن الشخص الاعتباري.

وهكذا في عالم الأحداث وهكذا في عالم الأفكار.

ضوابط في إدراك الواقع:

لكن لابد من التنبيه على مسألة غاية في الأهمية، وهي أن الفقيه أثناء إدراكه للواقع لا بد أن يضع على عينه نظارة المصادر والنصوص حتى يحسن الربط بينهما، أي: إيجاد الجسر الذي يربط ويضبط إنزال النصوص على الواقع، وهذا السقف لابد أن يشمل :

1. المقاصد الكلية للشريعة من حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال.

2. الإجماع، فلا بد للمفتي أن يراعي مواطن الإجماع، ولا يخرج عنها بحال.

3. مراعاة اللغة العربية ودلالتها، فلا يصح أن يختار المفتي أو يضع دلالات أخرى لألفاظ اللغة غير الدلالات التي وردت لنا نقلا عن العرب؛ لأن المصادر الشرعية ما هي إلا نصوص عربية .

4. لابد من مراعاة النموذج المعرفي الإسلامي، وهو ما نسميه: العقيدة أو الرؤية الكلية .

5. لا بد- أثناء عملية الإفتاء وإدراك الواقع- من مراعاة القواعد الفقهية أو المبادئ العامة للشريعة من قبيل : (لا ضرر ولا ضرار)، و(لا تزر وازرة وزر أخرى)، وهكذا.

كتب الفقه وكتب الفتاوى:

الفتوى بنت الفقه، فالعلاقة بينهما وثيقة، لكن الناظر في كتب الفقه وفي كتب الفتاوى يدرك أن طبيعة كتب الفقه تختلف -نوعًا ما- عن طبيعة كتب الفتاوى، وهذا الاختلاف ناشئ عن اختلاف الوظيفة التي تؤديها كتب الفقه عن الوظيفة التي وضعت لها كتب الفتاوى.

والذي يظهر -بهذا الصدد- أن كتب الفقه يقصد منها تجميع الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين مع ترتيبها على الأبواب الفقهية، وبيان ما يتعلق بها من: تعريفات وأركان وشروط وقيود وأدلة وتعليلات ومناقشات فقهية ... إلى غير ذلك من المهمات التي يعتني بها المصنفون في علم الفقه؛ من أجل بناء العقلية الفقهية للمتفقه؛ من خلال تدريس هذه الكتب لطلاب الفقه بواسطة المدرسين المهرة العارفين بخباياها ودقائقها.

فكتب الفقه موجهة للفقيه والمتفقه حتى يحيط علمًا بالحكم الشرعي وكل ما يتعلق به من شروط وقيود ... إلخ. وأما كتب الفتاوى فليست كذلك، فلا يُعنى فيها بهذا البحث المتوسع؛ لأن الغرض منها تنبيه المستفتي -العامي في الغالب- إلى الحكم الشرعي من أقصر طريق.

فكتب الفقه تصنف أساسًا بقصد التدريس، ومنها المتون التي تصنف ليحفظها طلاب الفقه؛ إتقانًا لمذاهبهم، وتقوية لملكاتهم، وأما كتب الفتاوى فتصنف بقصد القراءة والاطلاع.

قال ابن حمدان: وعلى المفتي أن يختصر جوابه فيكتفي فيه بأنه يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، ولا يعدل إلى الإطالة والاحتجاج؛ ليفرق بين الفُتيا والتصنيف، ولو ساغ التجاوز إلى قليل لساغ إلى كثير، ولصار المفتي مدرسًا، ولكل مقام مقال.ا.هـ.

وقال في موضع آخر: يجوز أن يذكر المفتي في فتواه الحجة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا، وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له أن يذكر شيئًا منها، ولم تجر العادة أن يذكر المفتي طريق الاجتهاد ولا وجه القياس والاستدلال، إلا أن تكون الفتوى تتعلق بنظر قاض فيومئ فيها على طريق الاجتهاد، ويلوح بالنكتة التي عليها بنى الجواب.

ولا يعني هذا أن كتب الفتاوى لا يقصد منها نفع المتصدر للإفتاء، بل المقصود أن نفعها عام، يعم المتخصص وغيره، كما أن كتب الفقه منها ما يقصد به مقارنة المذهب بغيره بقصد ترجيح المذهب، وهو ما يعرف بعلم الخلاف. ولا يقصد هذا من كتب الفتاوى.

فمن الفروق المهمة بين كتب الفقه وكتب الفتاوى: أن كتب الفقه يغلب عليها الصبغة المذهبية، أما كتب الفتاوى فكثيرًا ما تظهر فيها الرؤية الشخصية لصاحب الكتاب والتي قد تخالف مذهبه في بعض المسائل إذا كان من أهل الاجتهاد.

وعلى هذا فيمكن القول بأن كتب الفقه وضعت لبناء العقلية الفقهية للمتفقه، وتقوية المذاهب الفقهية، والحفاظ على حيوية الفقه وتجدده، وأما كتب الفتاوى فالمقصود منها نشر الثقافة الفقهية في عموم المسلمين، لا بناء عقلية فقهية ممنهجة كتلك التي تبنيها كتب الفقه في ذهن المتفقه.