• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » أركان الفتوى » الفتوى

الفتوى

كتب الفقه وكتب الفتاوى:

الفتوى بنت الفقه، فالعلاقة بينهما وثيقة، لكن الناظر في كتب الفقه وفي كتب الفتاوى يدرك أن طبيعة كتب الفقه تختلف -نوعًا ما- عن طبيعة كتب الفتاوى، وهذا الاختلاف ناشئ عن اختلاف الوظيفة التي تؤديها كتب الفقه عن الوظيفة التي وضعت لها كتب الفتاوى.

والذي يظهر -بهذا الصدد- أن كتب الفقه يقصد منها تجميع الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين مع ترتيبها على الأبواب الفقهية، وبيان ما يتعلق بها من: تعريفات وأركان وشروط وقيود وأدلة وتعليلات ومناقشات فقهية ... إلى غير ذلك من المهمات التي يعتني بها المصنفون في علم الفقه؛ من أجل بناء العقلية الفقهية للمتفقه؛ من خلال تدريس هذه الكتب لطلاب الفقه بواسطة المدرسين المهرة العارفين بخباياها ودقائقها.

فكتب الفقه موجهة للفقيه والمتفقه حتى يحيط علمًا بالحكم الشرعي وكل ما يتعلق به من شروط وقيود ... إلخ. وأما كتب الفتاوى فليست كذلك، فلا يُعنى فيها بهذا البحث المتوسع؛ لأن الغرض منها تنبيه المستفتي -العامي في الغالب- إلى الحكم الشرعي من أقصر طريق.

فكتب الفقه تصنف أساسًا بقصد التدريس، ومنها المتون التي تصنف ليحفظها طلاب الفقه؛ إتقانًا لمذاهبهم، وتقوية لملكاتهم، وأما كتب الفتاوى فتصنف بقصد القراءة والاطلاع.

قال ابن حمدان: وعلى المفتي أن يختصر جوابه فيكتفي فيه بأنه يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، ولا يعدل إلى الإطالة والاحتجاج؛ ليفرق بين الفُتيا والتصنيف، ولو ساغ التجاوز إلى قليل لساغ إلى كثير، ولصار المفتي مدرسًا، ولكل مقام مقال.ا.هـ.

وقال في موضع آخر: يجوز أن يذكر المفتي في فتواه الحجة إذا كانت نصًّا واضحًا مختصرًا، وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له أن يذكر شيئًا منها، ولم تجر العادة أن يذكر المفتي طريق الاجتهاد ولا وجه القياس والاستدلال، إلا أن تكون الفتوى تتعلق بنظر قاض فيومئ فيها على طريق الاجتهاد، ويلوح بالنكتة التي عليها بنى الجواب.

ولا يعني هذا أن كتب الفتاوى لا يقصد منها نفع المتصدر للإفتاء، بل المقصود أن نفعها عام، يعم المتخصص وغيره، كما أن كتب الفقه منها ما يقصد به مقارنة المذهب بغيره بقصد ترجيح المذهب، وهو ما يعرف بعلم الخلاف. ولا يقصد هذا من كتب الفتاوى.

فمن الفروق المهمة بين كتب الفقه وكتب الفتاوى: أن كتب الفقه يغلب عليها الصبغة المذهبية، أما كتب الفتاوى فكثيرًا ما تظهر فيها الرؤية الشخصية لصاحب الكتاب والتي قد تخالف مذهبه في بعض المسائل إذا كان من أهل الاجتهاد.

وعلى هذا فيمكن القول بأن كتب الفقه وضعت لبناء العقلية الفقهية للمتفقه، وتقوية المذاهب الفقهية، والحفاظ على حيوية الفقه وتجدده، وأما كتب الفتاوى فالمقصود منها نشر الثقافة الفقهية في عموم المسلمين، لا بناء عقلية فقهية ممنهجة كتلك التي تبنيها كتب الفقه في ذهن المتفقه.