• مرحبًا بكم في موقع إعداد المفتين عن بُعد - دار الإفتاء المصرية

أنت هنا

الرئيسية » شيوخ دار الإفتاء » فضيلة الشيخ أحمد محمد عبد العال هريدي » صناعة المفتى » أركان الفتوى » المفتي

المفتي

  1. من هو المفتي.
  2. شروط المفتي.
  3. حقيقة عمل المفتي.
  4. من واجبات المفتي: مراعاة الأعراف والعوائد.
 

من هو المفتي؟

المفتي لغةً: اسم فاعل من أفتى، فمن أفتى مرة فهو مفت.

والفتوى في الاصطلاح: تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه، وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها.

والمفتي في الاصطلاح الشرعي: هو من قام للناس بأمر دينهم، وعَلِمَ جمل عموم القرآن وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، وكذلك السنن والاستنباط، فمن بلغ هذه المرتبة سموه بهذا الاسم، ومن استحقه أفتى فيما استفتي فيه. ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها، وكان عالما بجميع الأحكام الشرعية بالقوة القريبة من الفعل، فمتى أحاط علمًا بمسألة ما وجمع أدلتها، وكان على علم بطريقة الاجتهاد وتقرير الأدلة وطرق استنباط الأحكام منها جاز له الإفتاء في تلك المسألة.

 

شروط المفتي:

شروط سلبية:

هناك شروط سلبية لا يجب توافرها، والشروط السلبية كثيرة، ونعلم أنه ليس من المنطقي أن يقال من الشروط (لا يشترط كذا) فعدم توافر الشروط السلبية لا يحتاج أن ينص عليها عادة، ولكن نذكر تلك الشروط خاصة لأننا في عصر اشتبه على الناس كثير من الأمور، مما ألزمنا التنبيه عليها، فمن هذه الشروط السلبية:

1. لا يشترط في المفتي الذكورية إجماعًا، فتصح فتيا المرأة.

2. لا يشترط في المفتي الحرية، فتصح فتيا العبد.

3. لا يشترط النطق اتفاقًا، فتصح فتيا الأخرس ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة.

4. لا يشترط البصر، اتفاقًا فتصح فتيا الأعمى، وصرح به المالكية.

5. أما السمع، فقد قال بعض الحنفية: إنه شرط فلا تصح فتيا الأصم وهو من لا يسمع أصلا، وقال ابن عابدين: لا شك أنه إذا كتب له السؤال وأجاب عنه جاز العمل بفتواه، إلا أنه لا ينبغي أن يُنَصَّب للفتوى؛ لأنه لا يمكن كل أحد أن يكتب له، ولم يذكر هذا الشرط غيرهم.

 

شروط يجب توفرها:

1. الإسلام: فلا تصح فتيا غير المسلمين.

2. العقل: فلا تصح فتيا المجنون.

3. البلوغ: وهو أن يبلغ من يفتي الحُلمَ من الرجال، والمحيض من النساء، أو يبلغ خمسة عشر عامًا أيهما أقرب؛ لأنه لا تصح فتيا الصغير والصغيرة.

4. العلم: الإفتاء بغير علم حرام؛ لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس، وهو من الكبائر، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33]، فقرنه بالفواحش والبغي والشرك، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسًا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» [أخرجه البخاري]. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه»[أخرجه الدارمي والبيهقي وصححه الحاكم].

. التخصص: ونعني به أن يكون من يتعرض للإفتاء قد درس الفقه والأصول وقواعد الفقه دراسةً مستفيضةً، وله دربة في ممارسة المسائل وإلمام بالواقع المعيش، ويفضل في العصر الحالي أن يكون قد نال الدراسات العليا من جامعات معتمدة في ذلك التخصص، وإن كان هذا الشرط هو مقتضى شرط العلم والاجتهاد، فإن العلم بالفقه والاجتهاد فيه يقتضي التخصص، ولكن طريقة الوصول إلى هذه الدرجة تحتاج إلى ما ذكر، وإنما ذكرنا التخصص شرطًا منفصلا رغم اندراجه في شرط العلم والاجتهاد لحسم فوضى الفتاوى التي تثار هنا وهناك ممن لم يتخصص في علم الفقه والأصول، ويعترض ويناظر على فتاوى ما درس مبادئها الفقهية، ولا أصولها، ولقد تكلم في أهمية التخصص في الفقه العلماء القدامى. وقد وجدنا في عصرنا الحاضر أناسًا غير متخصصين تصدوا للإفتاء -رغبة في الشُّهْرَةِ أو المال أو غير ذلك- دون أن يستكملوا شروط الإفتاء، وهذا أمر فيه كثير من الخطورة، وقد قالوا قديما: من تصدَّر قبل أن يتعلم كمن تزبب قبل أن يتحصرم، أي: صيَّر نفسه زبيبًا، قبل أن يصل إلى حالة النضج.

6. العدالة: والعدل هو من ليس بفاسق وليس مخروم المروءة، وخرم المروءة تعني الخروج عن عادات الناس فيما ينكر ويستهجن، كأن يسير في الطريق حافيًا مثلا، أو غير ذلك من السلوكيات التي تستهجن في المجتمع، فلا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء. وأما المبتدعة، فإن كانت بدعتهم مكفرة أو مفسقة لم تصح فتاواهم، وإلا صحت فيما لا يدعون فيه إلى بدعهم، قال الخطيب البغدادي: تجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، وأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف فإن فتاويهم مرذولة وأقاويلهم غير مقبولة.

7. الاجتهاد: وهو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المعتبرة، وليس المقصود هو أن يبذل العالم جهدًا ملاحظًا قبل كل فتوى، وإنما المقصود بلوغ مرتبة الاجتهاد، والتي قال الشافعي عنها فيما رواه عنه الخطيب: لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يفتي في دين الله، إلا رجلا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.

8. جودة القريحة: ومعنى ذلك أن يكون كثير الإصابة، صحيح الاستنباط، وهذا يحتاج إلى حسن التصور للمسائل، وبقدر ما يستطيع المجتهد أن يتخيل المسائل بقدر ما يعلو اجتهاده، ويفوق أقرانه، فهو يشبه ما يعرف في دراسات علم النفس بالتصور المبدع، وهو علم ينبغي أن يضاف في أسسه إلى أصول الفقه، حيث إنه وسيلة للاجتهاد خاصة في عصرنا الحاضر، ولذلك كله لا تصلح فتيا الغبي، ولا من كثر غلطه، بل يجب أن يكون بطبعه قوي الفهم لمقاصد الكلام ودلالة القرائن، صادق الحكم، قال النووي: شرط المفتي كونه فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح النظر والاستنباط.

9. الفطانة والتيقظ: يشترط في المفتي أن يكون فطنًا متيقظًا ومنتبهًا بعيدًا عن الغفلة، بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذرًا فَطِنًا فقيهًا بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم.

 

حقيقة عمل المفتي:

لما كان الإفتاء هو الإخبار بالحكم الشرعي عن دليل، فإن ذلك يستلزم أمورًا:

) تحصيل الحكم الشرعي المجرد في ذهن المفتي:

فإن كان مما لا مشقة في تحصيله لم يكن تحصيله اجتهادًا، كما لو سأله سائل عن أركان الإسلام ما هي؟ أو عن حكم الإيمان بالقرآن؟ وإن كان الدليل خفيًّا، كما لو كان آية من القرآن غير واضحة الدلالة على المراد، أو حديثا نبويًّا واردًا بطريق الآحاد، أو غير واضح الدلالة على المراد، أو كان الحكم مما تعارضت فيه الأدلة أو لم يدخل تحت شيء من النصوص أصلا، احتاج أخذ الحكم إلى اجتهاد في صحة الدليل أو ثبوته أو استنباط الحكم منه أو القياس عليه.

2) معرفة الواقعة المسؤول عنها:

بأن يذكرها المستفتي في سؤاله، وعلى المفتي أن يحيط بها إحاطة تامة فيما يتعلق به الجواب، بأن يستفصل السائل عنها، ويسأل غيره إن لزم، وينظر في القرائن.

 

) أن يعلم انطباق الحكم على الواقعة المسؤول عنها:

بأن يتحقق من وجود مناط الحكم الشرعي الذي تحصل في الذهن في الواقعة المسؤول عنها لينطبق عليها الحكم، وذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية بخصوصها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة، تتناول أعدادًا لا تنحصر من الوقائع، ولكل واقعة معينة خصوصية ليست في غيرها. وليست الأوصاف التي في الوقائع معتبرة في الحكم كلها، ولا هي طردية كلها، بل منها ما يعلم اعتباره، ومنها ما يعلم عدم اعتباره، وبينهما قسم ثالث متردد بين الطرفين، فلا تبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللمفتي فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل؟ وهل يوجد مناط الحكم في الواقعة أم لا؟ فإذا حقق وجوده فيها أجراه عليها، وهذا اجتهاد لا بد منه لكل قاض ومفت، ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد لم تتنزل الأحكام على أفعال المكلفين إلا في الذهن؛ لأنها عمومات ومطلقات، منزلة على أفعال مطلقة كذلك، والأفعال التي تقع في الوجود لا تقع مطلقة، وإنما تقع معينة مشخصة، فلا يكون الحكم واقعًا عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلا وقد لا يكون، وذلك كله اجتهاد.

ومثال هذا: أن يسأله رجل هل يجب عليه أن ينفق على أبيه؟ فينظر أولا في الأدلة الواردة، فيعلم أن الحكم الشرعي أنه يجب على الابن الغني أن ينفق على أبيه الفقير، ويتعرف ثانيًا حال كل من الأب والابن، ومقدار ما يملكه كل منهما، وما عليه من الدَّيْنِ، وما عنده من العيال، إلى غير ذلك مما يظن أن له في الحكم أثرًا، ثم ينظر في حال كل منهما ليحقق وجود مناط الحكم -وهو الغنى والفقر- فإن الغني والفقير اللذين علَّق بهما الشارع الحكم لكل منهما طرفان وواسطة، فالغني مثلا له طرف أعلى لا إشكال في دخوله في حد الغنى، وله طرف أدنى لا إشكال في خروجه عنه، وهناك واسطة يتردد الناظر في دخولها أو خروجها، وكذلك الفقر له أطراف ثلاثة - فيجتهد المفتي في إدخال الصورة المسؤول عنها في الحكم أو إخراجها بناءً على ذلك.

وهذا النوع من الاجتهاد لا بد منه في كل واقعة -وهو المسمى تحقيق المناط- لأن كل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها، لم يتقدم لها نظير، وإن فرضنا أنه تقدم مثلها فلا بد من النظر في تحقيق كونها مثلها أو لا، وهو نظر اجتهاد.

 

من واجبات المفتي: مراعاة الأعراف والعوائد:

قد يكون المفتي عالمًا بأحكام الشريعة بالقدر اللازم للإفتاء، لكنه مع هذا مقصِّر في معرفة الأعراف والعادات الخاصة ببلد المستفتي ولها تأثير في الحكم؛ لذا نص علماء الفتوى على أنه يحرم على المفتي أن يفتي في الأيمان والأقارير ونحوها من الأحكام التي تنبني الفتوى فيها على العرف من غير أن يكون عارفًا بعُرف البلد التي ينتمي إليها اللافظ.

فهناك أحكام تنبني فيها الفتوى على العرف السائد في البلد التي ينتمي إليها اللافظ بالكلام، ولو كان هذا العرف مخالفًا للحقيقة اللغوية؛ فإنَّ العرف قرينة حالية يتعين الحكم بها، ويختل مراد اللافظ مع عدم مراعاتها، وكذا فقد كل قرينة تعين المقصود.